للوقوف على حجم الكارثة الإنسانية التي حلت بغزة وأهلها بفعل حصار الاحتلال، لم نجد أبلغ من التنويه الذي وصلنا من مراسلنا هناك، والذي ذيّل به هذا العمل ونقرأ فيه: ملاحظة إلى الإخوة في القسم الدولي في جريدة ''الخبر''، تحية طيبة وبعد، أعلمكم أنه منذ اليوم لن أستطيع تزويدكم بالتقارير بسبب انتهاء شحنة الكهرباء التي كنت أستخدمها بعد انقطاع التيار الكهربائي عنا منذ ثلاثة أيام، أرجو منكم مراعاة ظروفنا، وكل مرة أستطيع أن أزوّدكم بشيء في حال استطعت الحصول على شحنة كهرباء فأنا في الخدمة وشكرا.
استفحلت الأزمة الإنسانية في قطاع غزة منذ أول أمس، بعد توقف محطة توليد الطاقة الكهربائية عن العمل، فشلت الحياة بشكل تام بسبب تعطل جميع المرافق الحيوية وخدمات المستشفيات التي يرقد فيها أكثر من 1700 مريض معرضين للموت في كل حين، وتوقف ضخ مياه الشرب للمنازل، وضخ المياه العادمة وتنقيتها، مما جعل عدة مناطق من شوارع غزة تغرق في المياه الصرف الصحي. وهو ما سيتسبب لامحالة في كارثة بيئية سيصعب السيطرة عليها مما يعرض مليون ونصف المليون نسمة للخطر الحقيقي.
أعلنت محطة توليد الكهرباء الفلسطينية أن العمل في نصف المحطة توقف صباح الأحد وتم إيقاف العمل بها نهائيا مساء الأحد بسبب النقص الحاد في الوقود.
وقال رفيق مليحة مدير مشروع محطة توليد شركة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة أن الشركة التي تغطي بين ثلاثين و35 بالمائة من احتياجات قطاع غزة توقفت عن العمل بسبب منع إسرائيل تزويد القطاع ومحطة توليد الكهرباء بالوقود الذي تحتاجه، والذي تقدر كميته بنحو 450 متر مكعب يوميا. وهذا أمر خطير على جميع مناحي الحياة.
وبسبب النقص الحاد في الوقود أعلنت جميع محطات الوقود في قطاع غزة عن نفاد كميات الوقود بها، بينما فقد الغاز المستخدم في الطبخ والإنارة من المحطات بشكل كلي، وتوقفت السيارات الخاصة والعمومية عن السير في شوارع غزة مما تسبب في شلل الحياة بشكل كامل طال جميع مناحيها.
فالوضع الإنساني في غزة خطر جدا ويتدهور في كل ساعة بصورة دراماتيكية وغير محسوبة، حيث لا أحد كان يتوقع أن يمنع كيان الاحتلال الإسرائيلي، في ظل هذا الإغلاق التام والشامل، حتى المنظمات الإنسانية من إدخال ما يلزمها للاستمرار في العمل، وخاصة الأدوية إلى داخل القطاع.
جشع التجار ينافس قهر الاحتلال
في جولة لـ''الخبر'' في مدينة غزة الغارقة في الظلام مساء الأحد شاهدنا المواطنين وهم يتدافعون إلى المحلات التجارية للتزود بالمواد الغذائية، بينما اضطرت المخابز إلى إقفال أبوابها منذ ساعات صباح الأحد، وشاهدنا على أبواب المخابز حالة الهلع والتوتر على وجوه المواطنين الذين لم يتمكنوا من الحصول على رغيف الخبز. وفي غمرة ذلك صرخ أحد المواطنين على باب المخبزة: ''ماذا تبقى في غزة سوى البشر... الكهرباء والبنزين والمياه كلها مقطوعة.
وخلال تجوالنا في المحلات التجارية لاحظنا الارتفاع الحاد في الأسعار والذي تجاوز الضعف بسبب نقص المواد الغذائية وجشع التجار الذين باتوا يلعبون بالأسعار بسبب نقصها. مما زاد من تعقيد الوضع أكثر فأكثر مما حرم آلاف العائلات من التزود بضروريات العيش.
من جهتها حذّرت اللجنة الشعبية لكسر الحصار الإسرائيلي من كارثة حقيقة ستحل بأكثر من مليون ونصف المليون مواطن فلسطيني خلال الأيام القليلة القادمة بسبب استمرار الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، محذّرة من تداعيات ذلك على الوضع الإنساني والاقتصادي والطبي وكل مناحي الحياة.
وحذّر جمال الخضري عضو اللجنة من تفاقم أزمة الوقود قائلا ''محطات الوقود والغاز توقفت عن العمل، وهناك أكثر من 65 بالمائة تحت بند البطالة و72 حالة مرضية توفيت خلال 72 يوماً و80 بالمائة تحت خط الفقر. موضحا أن المعاناة تبدأ من شح المواد الغذائية وتنتهي بموت الإنسان أمام أهله. واعتبر الخضري سياسة الإغلاق المستمر للمعابر وتقليص كميات الوقود إلى محطات القطاع بالعقاب الجماعي المناقض لجميع الاتفاقيات الدولية، واصفا الأوضاع بالكارثية.
وأوضح أن أكثر من مليون مواطن فلسطيني يعتمدون على معونات ومساعدات وكالة الغوث للاجئين ''الأونروا'' التي توقفت عن تقديم المعونات بسبب إغلاق الاحتلال للمعابر. وطالب الخضري المؤسسات الإنسانية والحقوقية والدولية بالتدخل الفوري لإيجاد حل جذري لقضية الحصار الإنساني والاقتصادي على القطاع.
مسيرات بشموع الأمل
احتجاجا على الحصار الجائر، خرج آلاف المواطنين، معظمهم من النساء والأطفال يحملون الشموع في شوارع غزة مندّدين بالإجراءات العقابية التي فرضتها إسرائيل وطالت جميع أبناء الشعب الفلسطيني دون تمييز. هذه الشموع التي أوقدت في ظلام دامس خلفه الحصار الإسرائيلي على القطاع.
وشارك في المسيرة ''جون جنج'' مدير عمليات الأونروا في قطاع غزة الذي وجه نداء عاجلا إلى دول العالم للمساعدة وإنقاذ غزة التي تعيش مأساة حقيقية في ظل منع المساعدات التموينية والوقود من الدخول إلى القطاع منذ الخميس الماضي. وقال جنج إن أكثر من 600 الف فلسطيني من سكان مدينة غزة يغرقون الآن في ظلام دامس وان المخابز أغلقت أبوابها ومولدات المشافي لا تعمل في الأقسام الضرورية وكلها باردة من الداخل.
واضاف أن على العالم أن يتحرك لإنقاذ مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين هم في أمس الحاجة للمساعدة. وطالب إسرائيل بفتح المعابر على وجه السرعة ودون تأخير.
وقال جنج إن السكان المدنيين يدفعون ثمنا باهظا بسبب النزاع القائم وأن غزة تعاني نقصا في كل شيء؛ المخابز توقفت عن العمل والمستشفيات لا تكفيها المحوّلات وهي باردة من الداخل والدواء غير متوفر والأوراق غير موجودة والإسمنت لبناء القبور غير متوفر والأكفان غير متوفرة لموتى غزة... وهناك نقص في الطعام. وإذا ما توفر شيء فان أسعاره خيالية''. وأضاف'' كل إنسان في غزة باتت لديه مشكلة شخصية تزداد صعوبة، ومن المعيب أن نسمع جدلا حول ما يحدث''. مؤكدا أن الإمدادات تقلصت بنسبة 70 بالمائة عما كانت متوفرة قبل يونيو الماضي، وان سكان غزة متشوقون لنهاية هذه المعاناة. وأضاف ''لا نملك المصطلحات الكافية لوصف ما يجري!'' مطالبا بفتح معابر القطاع .
وأوضح جنج أنه يتوجه للعالم لحماية السكان المدنيين حسب القانون الدولي رافضا القيام بأعمال غير قانونية للرد على أعمال غير قانونية مثل إرهاب السكان في المناطق المحاذية للقطاع بإسرائيل.
01-22-2008, 06:08 PM